سورة الصافات - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الصافات)


        


{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26)}
وفي الآية أبحاث:
البحث الأول: اعلم أنه لا نزاع في أن هذا من كلام الملائكة فإن قيل ما معنى: {احشروا} مع أنهم قد حشروا من قبل وحضروا في محفل القيامة وقالوا: {هذا يَوْمُ الدين} [الصافات: 20] وقالت الملائكة لهم بل: {هذا يَوْمُ الفصل} [الصافات: 21] أجاب القاضي عنه، فقال المراد احشروهم إلى دار الجزاء وهي النار، ولذلك قال بعده: {فاهدوهم إلى صراط الجحيم} أي خذوهم إلى ذلك الطريق ودلوهم عليه ثم سأل نفسه فقال: كيف يصح ذلك وقد قال بعده {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مسئولون} ومعلوم أن حشرهم إلى الجحيم، إنما يكون بعد المسألة، وأجاب أنه ليس في العطف بحرف الواو ترتيب فلا يمتنع أن يقال احشروهم وقفوهم، مع أنا بعقولنا نعلم أن الوقوف كان قبل الحشر إلى النار، هذا ما قاله القاضي، وعندي فيه وجه آخر وهو أن يقال إنهم إذا قاموا من قبورهم لم يبعد أن يقفوا هناك بحيرة تلحقهم بسبب معاينة أهوال القيامة، ثم إن الله تعالى يقول للملائكة: احشروا الذين ظلموا واهدوهم إلى صراط الجحيم، أي سوقوهم إلى طريق جهنم وقفوهم هناك وتحصل المسألة هناك ثم من هناك يساقون إلى النار وعلى هذا التقدير فظاهر النظم موافق لما عليه الوجه.
البحث الثاني: الآمر في قوله تعالى: {احشروا الذين ظَلَمُواْ} هو الله فهو تعالى أمر الملائكة أن يحشروا الكفار إلى موقف السؤال والمراد من الحشر أن الملائكة يسوقونهم إلى ذلك الموقف.
البحث الثالث: أن الله أمر الملائكة بحشر ثلاثة أشياء: الظالمين، وأزواجهم، والأشياء التي كانوا يعبدونها. وفيه فوائد:
الفائدة الأولى: أنه تعالى قال: {احشروا الذين ظَلَمُواْ} ثم ذكر من صفات الذين ظلموا كونهم عابدين لغير الله وهذا يدل على أن الظالم المطلق هو الكافر وذلك يدل على أن كل وعيد ورد في حق الظالم فهو مصروف إلى الكفار ومما يؤكد هذا قوله تعالى: {والكافرون هُمُ الظالمون} [البقرة: 254].
الفائدة الثانية: اختلفوا في المراد بأزواجهم وفيه ثلاثة أقوال الأول: المراد بأزواجهم أشباههم أي أحزابهم ونظراؤهم من الكفر فاليهودي مع اليهودي والنصراني مع النصراني والذي يدل على جواز أن يكون المراد من الأزواج الأشباه وجوه:
الأول: قوله تعالى: {وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثلاثة} [الواقعة: 7] أي أشكالاً وأشباهاً الثاني: أنك تقول عندي من هذا أزواج أي أمثال وتقول زوجان من الخف لكون كل واحد منهما نظير الآخر وكذلك الرجل والمرأة سميا زوجين لكونهما متشابهين في أكثر أحكام النكاح وكذلك العدد الزوج سمي بهذا الاسم لكون كل واحد من سميه مثالاً للقسم الثاني في العدد الصحيح، قال الواحدي فعلى هذا القول يجب أن يكون المراد بالذين ظلموا الرؤساء لأنك لو جعلت الذين ظلموا عاماً في كل من أشرك لم يكن للأزواج معنى القول الثاني: في تفسير الأزواج أن المراد قرناؤهم من الشياطين لقوله تعالى: {وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون} [الأعراف: 202]، والقول الثالث: أن المراد نساؤهم اللواتي على دينهم.
أما قوله: {وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ الله} ففيه قولان الأول: المراد ما كانوا يعبدون من دون الله من الأوثان والطواغيت، ونظيره قوله: {فاتقوا النار التى وَقُودُهَا الناس والحجارة} [البقرة: 24] قيل المراد بالناس عباد الأوثان والمراد بالحجارة الأصنام التي هي أحجار منحوتة، فإن قيل إن تلك الأحجار جمادات فما الفائدة في حشرها إلى جهنم؟ أجاب القاضي بأنه ورد الخبر بأنها تعاد وتحيا لتحصل المبالغة في توبيخ الكفار الذين كانوا يعبدونها ولقائل أن يقول هب أن الله تعالى يحيي تلك الأصنام إلا أنه لم يصدر عنها ذنب، فكيف يجوز من الله تعالى تعذيبها؟ والأقرب أن يقال إن الله تعالى لا يحيي تلك الأصنام بل يتركها على الجمادية. ثم يلقيها في جهنم لأن ذلك مما يزيد في تخجيل الكفار القول الثاني: أن المراد من قوله: {وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} الشياطين الذين دعوهم إلى عبادة ما عبدوا فلما قبلوا منهم ذلك الدين صاروا كالعابدين لأولئك الشياطين وتأكد هذا بقوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدم أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشيطان} [يس: 60] والقول الأول أولى لأن الشياطين عقلاء وكلمة ما لا تليق بالعقلاء، والله أعلم.
ثم قال: {فاهدوهم إلى صراط الجحيم} قال ابن عباس: دلوهم يقال هديت الرجل إذا دللته وإنما استعملت الهداية هاهنا، لأنه جعل بدل الهداية إلى الجنة، كما قال: {فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] فوقعت البشارة بالعذاب لهؤلاء بدل البشارة بالنعيم لأولئك، وعن ابن عباس {فاهدوهم} سوقوهم وقال الأصم: قدموهم، قال الواحدي: وهذا وهم. لأنه يقال هدى إذا تقدم ومنه الهداية والهوادي والهاديات الوحش، قال ولا يقال هدى بمعنى قدم، ثم قال: {وَقِفُوهُمْ} يقال: وقفت الدابة اقفها وقفاً فوقفت هي وقوفاً، والمعنى احبسوهم وفي الآية قولان أحدهما: على التقديم والتأخير، والمعنى قفوهم واهدوهم، والأصوب أنه لا حاجة إليه، بل كأنه قيل: فاهدوهم إلى صراط الجحيم فإذا انتهوا إلى الصراط قيل {وَقِفُوهُمْ} فإن السؤال يقع هناك وقوله: {أَنَّهُمْ مسؤولون} قيل عن أعمالهم في الدنيا وأقوالهم، وقيل المراد سألتهم الخزنة {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنكُمْ... قَالُواْ بلى ولكن حَقَّتْ كَلِمَةُ العذاب عَلَى الكافرين} [الزمر: 71] ويجوز أن يكون هذا السؤال ما ذكر بعد ذلك وهو قوله تعالى: {مَا لَكُمْ لاَ تناصرون} أي أنهم يسألون توبيخاً لهم، فيقال: {مَا لَكُمْ لاَ تناصرون} قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا ينصر بعضكم بعضاً كما كنتم في الدنيا، وذلك أن أبا جهل قال يوم بدر: نحن جميع منتصر فقيل لهم يوم القيامة ما لكم غير متناصرين، وقيل يقال لكفار ما لشركائكم لا يمنعونكم من العذاب.
ثم قال تعالى: {بَلْ هُمُ اليوم مُسْتَسْلِمُونَ} يقال استسلم للشيء إذا انقاد له وخضع، ومعناه في الأصل طلب السلامة بترك المنازعة، والمقصود أنهم صاروا منقادين لا حيلة لهم في دفع تلك المضار لا العابد ولا المعبود.


{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27)}
ثم قال تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} قيل هم والشياطين، وقيل الرؤساء والأتباع. {يَتَسَاءلُونَ} أي يسأل بعضهم بعضاً، وهذا التساؤل عبارة عن التخاصم وهو سؤال التبكيت يقولون غررتمونا، ويقول: أولئك لم قبلتم منا، وبالجملة فليس ذلك تساؤل المستفهمين، بل هو تساؤل التوبيخ واللوم، والله أعلم.


{قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33) إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34) إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40)}
واعلم أن الله تعالى لما حكى عنهم أنه أقبل بعضهم على بعض يتساءلون شرح كيفية ذلك التساؤل فقال: {إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين} وهذا قول الأتباع لمن دعاهم إلى الضلالة، وفي تفسير اليمين وجوه:
الأول: أن لفظ اليمين هاهنا استعارة عن الخيرات والسعادات، وبيان كيفية هذه الاستعارة، أن الجانب الأيمن أفضل من الجانب الأيسر لوجوه:
أحدها: اتفاق الكل على أن أشرف الجانبين هو اليمين والثاني: لا يباشرون الأعمال الشريفة إلا باليمين مثل مصافحة الأخيار والأكل والشرب وما على العكس منه يباشرونه باليد اليسرى الثالث: أنهم كانوا يتفاءلون وكانوا يتيمنون بالجانب الأيمن ويسمونه بالبارح الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في كل شيء الخامس: أن الشريعة حكمت بأن الجانب الأيمن لكاتب الحسنات والأيسر لكاتب السيئات السادس: أن الله تعالى وعد المحسن أن يؤتى كتابه بيمينه، والمسيء أن يؤتى كتابه بيساره، فثبت أن الجانب الأيسر، وإذا كان كذلك لا جرم، استعير لفظ اليمين للخيرات والحسنات والطاعات، فقوله: {إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين} يعني أنكم كنتم تخدعوننا وتوهمون لنا أن مقصودكم من الدعوة إلى تلك الأديان نصرة الحق وتقوية الصدق والوجه الثاني: في التأويل أنه يقال فلان يمين فلان، إذا كان عنده بالمنزلة الحسنة، فقال هؤلاء الكفار لأئمتهم الذين أضلوهم وزينوا لهم الكفر: إنكم كنتم تخدعوننا وتوهمون لنا، أننا عندكم بمنزلة اليمين، أي بالمنزلة الحسنة، فوثقنا بكم وقبلنا عنكم الوجه الثالث: أن أئمة الكفار كانوا قد حلفوا لهؤلاء المستضعفين أن ما يدعونهم إليه هو الحق، فوثقوا بإيمانهم وتمسكوا بعهودهم التي عهدوها لهم، فمعنى قوله: {كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين} أي من ناحية المواثيق والأيمان التي قدمتموها لنا الوجه الرابع: أن لفظ اليمين مستعار من القوة والقهر، لأن اليمين موصوفة بالقهر وبها يقع البطش، والمعنى أنكم كنتم تأتوننا عن القوة والقهر، وتقصدوننا عن السلطان والغلبة حتى تحملونا على الضلال وتعيرونا عليه، ثم حكى الله تعالى عن الرؤساء أنهم أجابوا الأتباع من وجوه:
الأول: أنهم قالوا لهم {بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} يعني أنكم ما كنتم موصوفين بالإيمان حتى يقال إنا أزلناكم عنه الثاني: قولهم: {وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مّن سلطان} يعني لا قدرة لناعليكم حتى نقهركم ونجبركم الثالث: {بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طاغين} أي ضالين غالين في معصية الله الرابع: قولهم: {فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ} والمعنى أن الله تعالى لما أخبر عن وقوعنا في العذاب، فلو لم يحصل وقوعنا في العذاب لما كان خبر الله حقاً، بل كان باطلاً، ولما كان خبر الله أمراً واجباً لا جرم، كان الوقوع في العذاب الأليم لازماً، قال مقاتل قوله تعالى: {فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبّنَا} إشارة إلى قول الله لإبليس: {لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 85] وقوله تعالى: {إِنَّا لَذَائِقُونَ} يعني لما وجب أن يحق علينا قول ربنا وجب أن نكون ذائقين لهذا العذاب الخامس قولهم: {فأغويناكم إِنَّا كُنَّا غاوين} والمعنى أنا إنما أقدمنا على إغوائكم لأنا كنا موصوفين في أنفسنا بالغواية، وفيه دقيقة أخرى، كأنهم قالوا: إن اعتقدتم أن غوايتكم بسبب إغوائنا فغوايتنا إن كانت بسبب إغواء غاوٍ آخر ولزم التسلسل وذلك محال، فعلمنا أن حصول الغواية والرشاد ليس من قبلنا، بل من قبل غيرنا، وذلك الغير هو الذي ذكره فيما قبل، وهو قوله: {فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبّنَا} ولما حكى الله تعالى كلام الأتباع للرؤساء وكلام الرؤساء للأتباع قال بعده: {فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي العذاب مُشْتَرِكُونَ} يعني فالمتبوع والتابع والمخدوم والخادم مشتركون في الوقوع في العذاب كما كانوا في الدنيا مشتركين في الغواية، ثم قال أيضاً: {إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين} وعنى بالمجرمين هاهنا الكفار بدليل أنه تعالى قال بعد هذه الكلمة: {إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إله إِلاَّ الله يَسْتَكْبِرُونَ} والضمير في قوله: {إِنَّهُمْ} عائد إلى المذكور السابق وهو قوله: {بالمجرمين} وهذا يدل على أن لفظ المجرم المطلق مختص في القرآن بالكافر، ثم بين تعالى أنهم إنما وقعوا في ذلك العذاب لأنهم كانوا مكذبين بالتوحيد وبالنبوة، أما التكذيب بالتوحيد فهو قوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إله إِلاَّ الله يَسْتَكْبِرُونَ} يعني ينكرون ويتعصبون لإثبات الشرك ويستنكفون عن الإقرار بالتوحيد.
وأما التكذيب بالنبوة فهو قولهم: {أئنا لَتَارِكُوا ءالِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُون} ويعنون محمداً، ثم إنه تعالى كذبهم في ذلك الكلام فقال: {بَلْ جَاء بالحق وَصَدَّقَ المرسلون} وتقرير هذا الكلام أنه جاء بالدين الحق لأنه ثبت بالعقل أنه تعالى منزه عن الضد والند والشريك فلما جاء محمد صلى الله عليه وسلم بتقرير هذه المعاني كان مجيئه بالدين الحق، قرأ ابن كثير {أَيُّنَا لتاركوا ءالِهَتِنَا} بهمزة وياء بعدها خفيفة ساكنة بلا مد، وقرأ نافع في رواية قالون وأبو عمرو على هذا التفسير يمدان والباقون بهمزتين بلا مد وقوله تعالى: {وَصَدَقَ المرسلون} يعني صدقهم في مجيئهم بالتوحيد ونفي الشريك، وهذا تنبيه على أن القول بالتوحيد دين لكل الأنبياء، ولما حكى الله عنهم تكذيبهم بالتوحيد والنبوة نقل الكلام من الغيبة إلى الحضور فقال: {إِنَّكُمْ لَذَائِقُوا العذاب الأليم} كأنه قيل فكيف يليق بالرحيم الكريم المتعالي عن النفع والضر أن يعذب عباده فأجاب عنه بقوله: {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} والمعنى أن الحكم يقتضي الأمر بالحسن والطاعة والنهي عن القبيح والمعصية والأمر والنهي لا يكمل المقصود منهما إلا بالترغيب في الثواب والترهيب بالعقاب وإذا وقع الإخبار عنه وجب تحقيقه صوناً للكلام عن الكذب، فلهذا السبب وقعوا في العذاب ثم قال: {إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} يعني ولكن عباد الله (المخلصين ناجون وهو) من الاستثناء المنقطع.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8